ملاحظات قانونية بشان تقرير لجنة الفوسفات النيابية ؟

 المحامي الدكتور نوفان العجارمة




قال المحامي الفرنسي (بيريه) مترافعا أمام محاكم الثورة الفرنسية((أتقدم إليكم بالحقيقة وبرأسي، تصرفوا في احدهما بعد إن تستمعوا للأخرى..))، وقال ابن القيم رحمه الله ((اجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات….)). 


هذا الاقتباس يشكل مدخلاً نسلط الضوء من خلاله على تقرير اللجنة النيابية المحترمة و المتعلقة بشركة الفوسفات، ونجمل ملاحظاتنا بما يلي:


 أولاً: هناك خلط ما بين المسؤولية السياسية والمسؤولية الجنائية بالنسبة للسادة الوزراء : فالمادة (51) من الدستور تحدثت عن مسؤولية الوزراء مسؤولية مشتركة عن السياسية العامة للدولة، ولا يمكن أن نحمل هذا النص الدستوري أكثر من ذلك، فلا تضامن بين الوزراء من حيث المسؤولية الجنائية ، وكل وزير يسأل بشكل مستقل عن الآخر من الناحية الجنائية، إلا إذا توافرت إحدى صور الاشتراك الجرمي، وقد تأثر تقرير اللجنة النيابية بذلك، حيث تم إيراد بعض الأسماء في التقرير فقط لكونهم أعضاء في الحكومة ومسؤولين عن عملية التخاصية مفترضين بان هناك تضامن جنائي بينهم ، وهذا لا يتوافق وأحكام المادة (51) من الدستور .


 ثانياً: أن ملف شركة الفوسفات اقفل من الناحية الجنائية بالنسبة للوزراء، بعد أن صوت مجلس النواب على تقرير اللجنة حيث منع محاكمة الوزراء التي وردت أسماؤهم في تقرير اللجنة: ولا تملك النيابة العامة التصدي لهذا الموضوع مجددا (بالنسبة لوزراء) ، لان المادة (56) من الدستور والتي تنص على (لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك) ، أعطت الصلاحية لمجلس النواب دون غيره في إحالة الوزراء للنيابة العامة ، لان حرف (اللام) الواردة في كلمة (لمجلس) يعني الاختصاص (لطفا انظر المعجم الوسيط) وهذا اختصاص محدد على سبيل الإلزام من قبل المشرع الدستوري ، وليس اختصاصا مشتركا ما بين مجلس النواب والنيابة العامة، فإذا أناط المشرع الدستوري، امرأ بسلطة معينة فيكون قد منع باقي السلطات من ممارسته ، وعليه، فان النص الدستوري المتضمن تخويل مجلس النواب صلاحية إحالة الوزراء إلى النيابة على الوجه المبين آنفا ، قد منع القضاء من القيام بهذا الإجراء (لطفا انظر: تفسير المجلس العالي رقم 1 لسنة 1992 ).


 ثالثاً: أن مبدأ الحياد، وهو مبدأ مستقر في الضمير الإنساني تمليه العدالة المثلى ولا يحتاج إلى نص يقرره، يقتضي تنحي النائب السيدة (ريم بدران المحترمة) من عضوية لجنة التحقيق :لان التحقيق تناول فترة زمنية مهمة من ولاية حكومة دولة الدكتور عدنان بدران (عم النائب المحترمة)، فهذا المبدأ(مبدأ الحياد) مستقر في المجال القضائي حتى يطمئن المتهم إلى عدالة قاضيه، فيتوجـب على السلطـة التي تتولى مهمة التحقيق أن تكون محايدة، فإذا اشترك في التحقيق بعض الأشخاص الذين لا تتوافر فيهم، لاعتبارات موضوعية أو شخصية، كـافة الضمـانات اللازمة لتحقيق عدالة لا تشوبها شائبة تعرض هذا الحياد للخطر، وقد حددت المادة [134] من قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988 حالات رد القاضي (والتي تتوفر من باب أولى في المحقق) والتي منها (إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل).


 رابعاً: أن التقرير حقق فائدة كبيرة للدولة الأردنية، حيث سلط الضوء على آلية اتخاذ القرار في الإدارة الأردنية والتي تعاني من خلل كبير في ظل غياب تام للأجهزة الرقابية، وحالة من انعدام الشفافية.


 خامساً: أوضح التقرير وبشكل وافِ الأحكام العامة لاتفاقية الخصخصة( بيع جزء من حصص الحكومة في شركة الفوسفات لشركة كامييل) والتي أظهرت عدم توازن هذه الاتفاقية بالنسبة للأردن، الأمر الذي يتطلب تعديل هذه الاتفاقية من خلال الحوار مع الطرف الآخر.


 سادساً: هناك أساس قانوني يدعم تقرير اللجنة و كذلك توصية مجلس النواب من حيث فسخ الاتفاقية أو إلغائها : فالمادة ( 34) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والموفق عليها من قبل الأردن والمنشورة في الجريدة الرسمية تنص على: (مع ايلاء الاعتبار الواجب لما اكتسبته الإطراف الثالثة من حقوق بحسن نية، تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، تدابير تتناول عواقب الفساد.


 وفي هذا السياق، يجوز للدول الإطراف أن تعتبر الفساد عاملا ذا أهمية في اتخاذ إجراءات قانونية لإلغاء أو فسخ عقد أو سحب امتياز أو غير ذلك من الصكوك المماثلة أو اتخاذ أي إجراء انتصافي آخر.) كما تنص المادة ( 42/2) من قانون تنظيم شؤون المصادر الطبيعية رقم 12 لسنة 1968 على(إذا اخل صاحب حق التعدين بأي شرط من الشروط التي يتضمنها الحق يبلغ خطيا من قبل نائب الرئيس لإصلاح الخطأ خلال مدة مناسبة يعينها له، وإذا لم ينجز الإصلاح المطلوب منه ضمن هذه المدة يجوز لنائب الرئيس حينئذ وبعد موافقة مجلس الوزراء إلغاء حق التعدين المعطى له، إذا الغي حق التعدين وجب نشر إعلان بذلك في الجريدة الرسمية ويعتبر هذا الإعلان بينة قطعية على الإلغاء). مع ذلك، فأنني لا اتفق مع تقرير اللجنة وكذلك توصية مجلس النواب( من الناحية العملية)، فهذا الأمر من شانه أن يؤدي إلى نتائج غير محمودة، قد تكبد الدولة الأردنية ملايين الدنانير إذا لجا المستثمر إلى التحكيم وعندها ينطبق علينا قول الشاعر (كالمستجير من الرّمضاء بالنّار).فالمطلوب هو تعديل الاتفاقية بتوافق الطرفين . سابعاً: لقد كشف التقرير بان الاتفاقية (اتفاقية البيع أو الشراكة) انطوت على بعض المخالفات القانونية والدستورية والتي منها:

 1. لا يجوز أن تضع الحكومة شرطاً يتضمن تعهدها بعدم رفع الضرائب والرسوم لمدة (10) سنوات، فالضرائب والرسوم تحدد بقانون وفقا لأحكام المادة (111) من الدستور، وهذا أمر لا تملكه الحكومة بل خاضع لمطلق تقدير البرلمان.

 2. كما لا يجوز أن تضع الحكومة شرطا يتضمن تعهدها بإعفاء المستثمر من الضرائب والرسوم قبل تحققها(أو ما يسمى بالتسهيلات الضريبية)، فالأصل أن تتحقق الضرائب والرسوم بحق المستثمر، ثم يتقدم بطلب للإعفاء منها وفقا لقانون الإعفاء من الأموال العامة، لا أن يتم إعفاؤه منها سلفا.


 ثامناً: كشف التقرير عن أمر مهم يتمثل بوجود مبالغ نقدية للحكومة كانت في صندوق الشركة قبل توقيع اتفاقية البيع، وتقدر بحوالي (10) ملايين دينار (هذا المبلغ يتضمن أرباح سنة 2004 و 2005).

 والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن استرداد هذا المبلغ لصالح الخزينة ؟؟ نستطيع القول بأنه يمكن استرداد هذا المبلغ للأسباب التالية:

 1. أن أرباح الدولة من بيع خام الفوسفات تعتبر (عوائد) تدخل ضمن موارد الدولة الاختيارية ، وهي أرباح الدولة الخاصة التي تعود عليها من ريع أملاكها ومن الغابات والمعادن والآثار وإرباح الأعمال التجارية والصناعية والنقلية التي تقوم بها(لطفا انظر القرار الصادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم 2 لسنة 1969 ).


 2. تعتبر العوائد من الأموال العامة ووفقا لأحكام المادة(2) من ( قانون الإعفاء من الأموال العامة رقم 28 لسنة 2006) والتي نصت على: تعني عبارة الأموال العامة جميع أنواع الضرائب والرسوم والغرامات والذمم والديون والعوائد والأجور العائدة للخزينة العامة والمؤسسات العامة الرسمية والمؤسسات العامة أو البلديات أو أي جهة يعطي القانون الخاص بها هذه الصفة لأموالها.


 3. وفقا لأحكام المادة (60) من القانون المدني رقم (43) لسنة 1976 فانه لا يجوز التصرف في الأموال العامة أو تملكها بمرور الزمان.


 المحامي الدكتور نوفان العجارمة

 أستاذ القانون الإداري و الدستوري المشارك كلية الحقوق – الجامعة الأردنية 

------
عن وطن نيوز    http://www.watnnews.net/NewsDetails.aspx?PageID=54&NewsID=45301

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق